شعر رثاء ميت غالي هو فن شعري استخدمه الشعراء لتخليد ذكرى موتاهم وفقداهم، فقد دفعتهم العاطفة الشعرية إلى إظهار الحزن على فقيدهم وتعزية أنفسهم بتعديد خصاله ومدحه وذكر صفاته ومحاسنه، ولم يتوقف الرثاء عند الشعراء على رثاء أشخاص، بل منهم من رثى نفسه ومن رثى بلاداً وممالك ومن رثى دياراً ومحبوباً، فكان الرثاء تعبيراً عن أي مفقودٍ كان.
شعر رثاء ميت غالي
لم يكن شعر رثاء ميت غالي إلا تعبيراً عن فقد محبوب تعزي فيه النفس نفسها بمدحه والتلذذ بذكر خصاله، ويخلد الشاعر بشعره تلك الخصال لتتعرف الأمم اللاحقة على ذلك المفقود، وشعر الرثاء هو شعر قديم منذ الأزل، فمنذ نشأة الإنسان القديم وتنظيمه للشعر عبر بعاطفته عن كل المشاعر، فكان منها أغراض الرثاء والتأبين، وفي أعظم الرثاء يقول ابن الرومي ناعيًا ابنه في قصيدته (بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي):
بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي .. فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى .. فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي
ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها .. من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي .. فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ .. وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ .. بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها .. وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ
ثم يكرر الرثاء ويواسي نفسه قائلاً:
وأنتَ وإن أُفْردْتَ في دار وَحْشَةٍ .. فإني بدار الأنْسِ في وحْشة الفَرْدِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوْفَدَ مَعْشَراً .. إلى عَسْكَر الأمْواتِ أنِّي من الوفْدِ
ومن كانَ يَسْتهدِي حَبِيباً هَدِيَّةً .. فَطَيْفُ خيَال منك في النوم أسْتَهدي
عليك سلامُ الله مني تحيةً .. ومنْ كلِّ غيْثٍ صادِقِ البرْقِ والرَّعْدِ
تعرف أيضًا على: شعر عن الحزن
ابلغ بيت شعر في الرثاء
تبارت أشعار الرثاء ونافست بعضها البعض، فجاءت كل حقبة زمنية بأشعارها التي تتسم بألفاظ ومعاني وتعبيرات خاصة، واتفق الشعر القديم غالبًا في الجزالة والفصاحة والقوة، لذلك كان جمال الشعر جمالًا نسبيًا، فما يراه المستمع أفضل شعر قد يرى غيره ما هو أفضل منه.
لذا من الظلم أن يقال على بيت واحد بعينه وسط ملايين الأبيات الشعرية أنه أبلغ شعر رثاء ميت غالي، ولكن من الأبيات التي عرفت بالبلاغة وقوة العاطفة ما جاء في قصيدة (عزاء بهذا الموت يا من فدا مصرًا) للشاعر أحمد زكي أبو شادي:
عزاء بهذا الموت يا من فدى مصرا .. ومن عيشه ذكرى وومن موته ذكرى
صديق الصبا ماذا غنمنا من الصبا .. وما غمرنا إلا مغارمنا تترى
ولم يبق فينا منصفا غير ميتة .. أتالتك مجدا لا يباع ولا يشرى
سقطت كجنديّ شهيد مماته .. حياة لعمري حرة تخلد الفكرا
ومت عزيزا في الدفاع لأمّة .. أنابتك عنها في ملماتها الكبرى
قصيدة رثاء للميت
نظم الشعراء في كل العصور قصائد رثوا بها موتاهم، وعددوا بها مناقبهم، وأشادوا فيها بمكارمهم، وهونوا بها أحزانهم على الفقيد، ومن تلك الأشعار التي جاءت بليغة يفهمها الفصيح وذو اللغة العربية المتوسطة أبيات أحمد شوقي وعلي الجارم، والتي جاء منها ما يأتي:
- يقول أحمد شوقي في قصيدته (من ظن بعدك أن يقول رثاء فليرث):
مَن ظَنَّ بَعدَكَ أَن يَقولَ رِثاءَ .. فَليَرثِ مِن هَذا الوَرى مَن شاءَ
فَجَعَ المَكارِمَ فاجِعٌ في رَبِّها .. وَالمَجدَ في بانيهِ وَالعَلياءَ
وَنَعى النُعاةُ إِلى المُروءَةِ كَنزَها .. وَإِلى الفَضائِلِ نَجمَها الوَضّاءَ
- يقول أحمد شوقي في قصيدته (ركزو رفاتك في الرمال لواء):
يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ .. فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ
أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت .. أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ
ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ .. فَاِنقُد رِجالَكَ وَاِختَرِ الزُعَماءَ
وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى .. وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ
- يقول علي الجارم في قصيدته (قبر حفني):
يا قبرَ حفني أَجبْني .. ماذا صنعتَ بحفني
ماذا صنعتَ بعلْمٍ .. وما صنعتَ بفَنّ
وما صنعتَ بفكرٍ .. ماضي الشَباةِ وذِهْن
طويتَ خيرَ مَثابٍ .. للطائفين ورُكْن
في كلِّ يومٍ رِثاءٌ .. لصاحبٍ أو لخِدْن
حتَّى لقد كاد شعري .. يبكي لضعفي ووهْني
فإنّما أنا منه .. وإنّما هو مني
يا مجلساً عاد وجْداً .. يُذْكي الفؤادَ ويُضْني
تعرف أيضًا على: كلمات تعزية بوفاة
الرثاء في الشعر الاندلسي
انتشر شعر رثاء ميت غالي في العصر الأندلسي وتنوع تنوعًا كبيرًا، وكان الأشهر منه رثاء الممالك، لأن الأندلس عاشت فترات زاهية قوية في الدولة الإسلامية ثم عقبتها فترات هوان وانقسام في الخلافة الإسلامية، وكان ذلك الضعف بدايةً للدمار والخراب وسقوط الخلافة الإسلامية، لذا كثرت أشعار الشعراء الأندلسيين التي عبروا من خلالها عن المشكلات السياسية وضيق الحياة، وحللوا فيها أسباب هزيمة الدولة التي حددوها بالابتعاد عن الإسلام وتفكك المجتمع الإسلامي.
كان هذا النوع من شعر الرثاء للممالك هو الأشهر والأبرز في تلك الفترة، وفي ذلك السياق نظم الشاعر الرندي قصيدة من أبلغ القصائد في التعبير عن انتكاس وتدهور الأمه الإسلامية في الأندلس بعنوان (لكل شيء إذا ما تم نقصان):
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ .. فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ .. وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ .. إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو .. كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ .. وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم .. أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم .. وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم .. عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ .. لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما .. كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت .. كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ
يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً .. وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ
لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ .. إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
شعر الخنساء في رثاء اخيها
الخنساء هي إحدى أقوى الشعراء في الجاهلية، وقد عاصرت العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام، ولشدة عبقرية شعرها قال عنها النابغة الذبياني بأنها أشعر الإنس والجن.
وقد كانت الخنساء حياتها حافلة بالأحزان والفقد والصبر، فقد مات أخوها في الجاهلية فانحنى شعرها انحناءًا جليًا نحو الحزن والأسى، وخلدت فيه ذكراهم فرثت أخاها صخر رثاءً طويلاً في عدة قصائد بشعر رثاء ميت غالي، ولم تتوقف عن رثائه إلا بعد دخولها الإسلام بزمن، وفيما يلي بعض من أشعارها:
- تقول في قصيدتها (يا عين ما لك لا تبكين تسكابا):
يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا .. إِذ رابَ دَهرٌ وَكانَ الدَهرُ رَيّابا
فَاِبكي أَخاكِ لِأَيتامٍ وَأَرمَلَةٍ .. وَاِبكي أَخاكِ إِذا جاوَرتِ أَجنابا
وَاِبكي أَخاكِ لِخَيلٍ كَالقَطا عُصَباً .. فَقَدنَ لَمّا ثَوى سَيباً وَأَنهابا
يَعدو بِهِ سابِحٌ نَهدٌ مَراكِلُهُ .. مُجَلبَبٌ بِسَوادِ اللَيلِ جِلبابا
حَتّى يُصَبِّحَ أَقواماً يُحارِبُهُم .. أَو يُسلَبوا دونَ صَفِّ القَومِ أَسلابا
هُوَ الفَتى الكامِلُ الحامي حَقيقَتَهُ .. مَأوى الضَريكِ إِذا ما جاءَ مُنتابا
يَهدي الرَعيلَ إِذا ضاقَ السَبيلُ بِهِم .. نَهدَ التَليلِ لِصَعبِ الأَمرِ رَكّابا
المَجدُ حُلَّتُهُ وَالجودُ عِلَّتُهُ .. وَالصِدقُ حَوزَتُهُ إِن قِرنُهُ هابا
- تقول في قصيدتها (يا عين جودي بالدموع):
يا عَينِ جودي بِالدُموعِ .. فَقَد جَفَت عَنكِ المَراوِد
وَاِبكي لِصَخرٍ إِنَّهُ .. شَقَّ الفُؤادَ لِما يُكابِد
المُستَضافِ مِنَ السِنينَ .. إِذا قَسا مِنها المَحارِد
حينَ الرِياحُ بَلائِلٌ .. نُكبٌ هَوائِجُها صَوارِد
- تقول أيضًا في قصيدتها (لهفي على صخر):
لَهفي عَلى صَخرٍ فَإِنّي أَرى لَهُ .. نَوافِلَ مِن مَعروفِهِ قَد تَوَلَّتِ
وَلَهفي عَلى صَخرٍ لَقَد كانَ عِصمَةً .. لِمَولاهُ إِن نَعلٌ بِمَولاهُ زَلَّتِ
يَعودُ عَلى مَولاهُ مِنهُ بِرَأفَةٍ .. إِذا ما المَوالي مِن أَخيها تَخَلَّتِ
تعرف أيضًا على: شعر عن الطيب والمرجلة
شعر المتنبي في الرثاء
اشتغل المتنبي بالتفاخر والتباهي بشعره في كل الأغراض، وإن كان قل في شعر الرثاء إلا أنه رثى ملوكًا ونظم فيهم أيضًا أبيات جزلة فصيحة بألفاظ معبرة، ومن أبرز قصائده في الرثاء قصيدة (إني لأعلم واللبيب خبير) التي يقول فيها:
ما كُنتُ أَحسَبُ قَبلَ دَفنِكَ في الثَرى .. أَنَّ الكَواكِبَ في التُرابِ تَغورُ
ما كُنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أَن أَرى .. رَضوى عَلى أَيدي الرِجالِ تَسيرُ
خَرَجوا بِهِ وَلِكُلِّ باكٍ خَلفَهُ .. صَعَقاتُ موسى يَومَ دُكَّ الطورُ
وَالشَمسُ في كَبِدِ السَماءِ مَريضَةٌ .. وَالأَرضُ واجِفَةٌ تَكادُ تَمورُ
وَحَفيفُ أَجنِحَةِ المَلائِكِ حَولُهُ .. وَعُيونُ أَهلِ اللاذِقِيَّةِ صورُ
حَتّى أَتَوا جَدَثاً كَأَنَّ ضَريحَهُ .. في قَلبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحفورُ
بِمُزَوَّدٍ كَفَنَ البِلى مِن مُلكِهِ .. مُغفٍ وَإِثمِدُ عَينِهِ الكافورُ
شعر رثاء نبطي
الشعر النبطي هو الشعر الذي كُتب باللهجة العامية التي تكلم بها أهل الممالك العربية في الخليج والسعودية قديمًا وحديثًا، والشعر النبطي بشكل عامٍ يقصد به الشعر الذي أطلق بلهجة عربية ليست بعربية فصحى، ومن شعر رثاء ميت غالي نبطي ما يلي.
- يقول الشاعر شالح بن هدلان في رثاء ابنه الذيب في قصيدة (يا ربعنا ياللي على الفطّر الشيب):
يا ربعنا يا للي على الفطـر الشيـب .. عز الله إنه ضاع منكم وداعه
رحتوا على الطوعات مثل العياسيب .. وجيتـوا وخليتوا لقلبي بضاعة
خليتوا النادر بدار الأجانب .. وضاقت بي الآفاق عقب اتساعه
تكـدرون لي صافيات المشاريب .. بالعون شفت الذل عقب الشجاعة
ياذيب أنا بوصيك لا تأكل الذيب .. كم ليلةٍ عشّاك عقب المجاعة
كم ليلة عشاك حرش العراقيب .. وكم شيخ قوم كزته لك ذراعه
كفه بعدوانه شنيع المضاريب .. ويسقي عدوه بالوغى سم ساعة
- يقول الشاعر أحمد هادي في رثاء زوجته في قصيدة (سقى غيث الحيا مزن تهامى):
سقى غيث الحيا مزن تهاما .. على قبر بتلعات الحجازي
يعط به البختري والخزامى .. وترتع فيه طفـات الجوازي
وغَنَّت رَاعْبيّات الحماما .. على ذيك المشاريف النّـوازي
صلاة الله مني والسلاما .. على من فيه بالغفران فازي
عفيف الجيب ما داس الملاما .. ولا وقف على طرق المخازي
- يقول الشاعر نمر بن عدوان بعد وفاة زوجته في قصيدة (البارحة يوم الخلايق نياما):
البارحة يوم الخلايق نياما
بيّحت من كثر البكى كل مكنون
قمت اتوجد له وأنثر علاما
من موق عيني دمعها قبل مخزون
ولي ونةٍ من سمعها ما يناما
ونّت صويبٍ بين الأضلاع مطعون
وإلا كما ونّه كسير السلاما
تعرف أيضًا على: شعر عن الاخلاق
افضل قصيدة رثاء في الاب
تتعثر الكلمات في رثاء الأب لعظم المصيبة وجلل الفقد وتوجع الفاقد، لكن العديد من الشعراء استطاعوا أن يصفوا معاناة الفقد الاليم للأب في شعر رثاء ميت غالي، فعبروا عن العاطفة الحزينة و قسوة ومرارة المصيبة بأبيات شعرية هي من الأجزل والأقوى في الرثاء، ومن هؤلاء الشعراء الشاعر أحمد شوقي، حيث يقول في قصيدته (سألوني لم لم أرث أبي):
سَأَلوني لِمَ لَم أَرثِ أَبي .. وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ أَيُّ دَين
أَيُّها اللُوّامُ ما أَظلَمَكُم .. أَينَ لي العَقلُ الَّذي يُسعِدُ أَين
يا أَبي ما أَنتَ في ذا أَوَّلٌ .. كُلُّ نَفسٍ لِلمَنايا فَرضُ عَين
هَلَكَت قَبلَكَ ناسٌ وَقُرى .. وَنَعى الناعونَ خَيرَ الثِقَلَين
غايَةُ المَرءِ وَإِن طالَ المَدى .. آخِذٌ يَأخُذُهُ بِالأَصغَرَين
وَطَبيبٌ يَتَوَلّى عاجِزاً .. نافِضاً مِن طِبَّهُ خُفَّي حُنَين
إِنَّ لِلمَوتِ يَداً إِن ضَرَبَت .. أَوشَكَت تَصدَعُ شَملَ الفَرقَدَين
تَنفُذُ الجَوَّ عَلى عِقبانِهِ .. وَتُلاقي اللَيثَ بَينَ الجَبَلَين
وَتَحُطُّ الفَرخَ مِن أَيكَتِهِ .. وَتَنالُ البَبَّغا في المِئَتَين
أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا .. لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين
نَحنُ كُنّا مُهجَةً في بَدَنٍ .. ثُمَّ صِرنا مُهجَةً في بَدَنَين
ثُمَّ عُدنا مُهجَةً في بَدَنٍ .. ثُمَّ نُلقى جُثَّةً في كَفَنَين
ثُمَّ نَحيا في عَلِيٍّ بَعدَنا .. وَبِهِ نُبعَثُ أولى البِعثَتَين
ثم يقول معبرًا عن مشاعر الحزن والفقدان العميقين:
نَظَرَ الدَهرُ إِلَينا نَظرَةً .. سَوَّتِ الشَرَّ فَكانَت نَظرَتَين
يا أَبي وَالمَوتُ كَأسٌ مُرَّةٌ .. لا تَذوقُ النَفسُ مِنها مَرَّتَين
كَيفَ كانَت ساعَةٌ قَضَّيتَها .. كُلُّ شَيءٍ قَبلَها أَو بَعدُ هَين
أَشَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَةً .. أَم شَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَتَين
لا تَخَف بَعدَكَ حُزناً أَو بُكاً .. جَمَدَت مِنّي وَمِنكَ اليَومَ عَين
أَنتَ قَد عَلَّمتَني تَركَ الأَسى .. كُلُّ زَينٍ مُنتَهاهُ المَوتُ شَين
لَيتَ شِعري هَل لَنا أَن نَلتَقي .. مَرَّةً أَم ذا اِفتِراقُ المَلَوَين
وَإِذا مُتُّ وَأودِعتُ الثَرى .. أَنَلقَّى حُفرَةً أَو حُفرَتَين
تعرف أيضًا على: شعر صباح الخير
أخيراً ظل فن شعر رثاء ميت غالي متربعًا على عرش الأغراض الشعرية في مختلف العصور ولكن مع اختلاف ملموس، ففي العصر الجاهلي تميز بالعفوية والصدق، وفي العصر الإسلامي تطبع بالقيم الدينية والروحية، وفي العصر العباسي ازداد تطورًا وابتكارًا، وفي العصر الأندلسي جمع ما بين الثقافات العربية والأوروبية، وفي العصر الحديث جاء مبتكرا بأساليب جديدة متأثراً بالأحداث السياسية والاجتماعية المختلفة.